دور المؤمنين في ضمان حماية موارد الأرض

أحد وثائق اللقاء الإسلامي المسيحي الذي عقد بالتعاون ما بين:
المجمع الملكي لبحث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت)، والمجلس البابوي للحوار بين الأديان (الفاتيكان).

30 من ذي القعده –  2 من ذي الحجه 1416 ه18 – 20 نيسان ( ابريل ) 1996

روما – ايطاليا
د.م. سفيان التل.

حينما كُلفـت من المجمـع الملكـي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، أن أعدّ هذه الورقة عن ((دور المؤمنين في ضمان حماية موارد الأرض))، وذلك للقاء الإسلامي-المسيحي عن ((الدين واستخدام موارد الأرض))، الذي يعقد في روما، تراءى لي أنّه من الضروري أن أعرف أولاً من هو المؤمن في العقيدة الإسلامية، وما هي الأرض في هذه العقيدة، وذلك حتى ننطلق من هذين المنطلقين لفهم دور المؤمن في ضمان حماية موارد الأرض.

من هو المؤمن في العقيدة الإسلامية

الإيمان في العقيدة الإسلامية هو أساس الشخصية الإسلامية، وسر قوتها ومفتاحها. وبالتالي لا يمكن تفجير الطاقات في شخصية المسلم أو توظيفها للعمل الصالح إلّا من خلال الدين والإيمان. (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).(1)

ومفهوم الإيمان لا يتم من خلال إعلان الفرد عن نفسه أنّه مؤمن، أو من خلال قيامه بالشعائر الإسلامية التي يقوم بها المؤمنون أو التشبه بهم أو بتصرفاتهم فحسب (2)، (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون)(3)

والإيمان ليس قولاً باللسان أو حركات يقوم بها الإنسان ولا عملاً ذهنياً، وإنّما هو عمل نفسي مستقر في أعماق النفس، يسيطر على إرادة الإنسان ووجدانه وإدراكه. ويجب أن يبلغ الإدراك العقلي لدى الإنسان، ليصبح مؤمناً حدّ الجزم واليقين، لا يشوبه أيّ شكّ أو ريبة. (إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا)(4).

ويجب أن ينبثق عن هذا الإيمان حرارة وجدانية وقلبية، تقود إلى تنفيذ ما يدعو إليه هذا الإيمان من العمل والسلوك، بين الفرد ونفسه، وبينه وبين الناس، وبينه وبين الطبيعة وموارد الأرض.

((القلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه، لا بدّ أن يندفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب وفي واقع الحياة وفي دنيا الناس، يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان، وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة.

*وزارة الشؤون البلدية والقروية والبيئية، عمان-الأردن.

(1) الحجرات:14.

(2) يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص9-12.

(3) البقرة:8-9.

(4) الحجرات:15.

الصـورة الإيمانيـة التي في حسـه، والصورة الواقعيـة من حولـه، لأن هـذه المفارقـة تؤذيـه وتصدمه في كل لحظة (1).

وهكذا نرى أن مقومات الإيمان في العقيدة الإسلامية تختلف اختلافاً كبيراً عن الفكرة التي يحملها الإنسان أو الرأي الذي يرتئيه أو النظرية التي يؤمن بها.

ويوضح الدكتور أحمد أمين في كتابه ((فيض الخاطر)) الفرق بين الرأي والعقيدة، فيقول: (فرق كبير بين أن نرى الرأي وأن نعتقده، إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، إذا اعتقدته جرى في دمك وسرى في مع عظامك، وتغلغل في أعماق قلبك). (2)

وهكذا نرى أنّ الإيمان في العقيدة الإسلامية يفسر للإنسان سر الحياة والموت ويحدد له نظريته إلى الكون والحياة والإنسان كما يحدد دور الإنسان في هذا العالم، ويؤكد أنّ جميع الحقائق التي جاء بها الأنبياء وعلموها للبشر، الحقائق التي دعا إليها إبراهيم وإسماعيل واسحق وأكدها موسى في التوراة وداود في الزبور وعيسى في الإنجيل. (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط. وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون). (3)

والإيمان-حسب العقيدة الإسلامية وهي عقيدة وسطية-لا يعرف تعصب ضد العقائد السماوية الأخرى، وقد أكد القران الكريم ذلك في كثير من آياته الكريمة.

(الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) (4).

(لكم دينكم ولي دين) (5).

(لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) (6).

(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (7).

(1)             يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، نقلاً عن: في ظلال القران.

(2)             المصدر نفسه، ص30.

(3)             البقرة: 136.

(4)             الشورى:15.

(5)             الكافرين:6.

(6)             يونس:41.

(7)             البقرة:256.

كما أكدت العقيدة الإسلامية على حرية الإنسان ومسؤوليته عن نفسه وعن أعماله وحتى عن إيمانه وكفره.

(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (1).

(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكرم الناس حتى يكونوا مؤمنين) (2).

ومن هذا نرى أن العقيدة الإسلامية موجهة إلى الإنسانية المتطورة المفكرة تحاورها بلا إكراه ولا تعصب وتعتبرها مسؤولة عن أعمالها وعن إيمانها وكفرها.

والمؤمن في العقيدة الإسلامية راض عن الكون والحياة (3) لاعتقاده أن الكون والحياة من صنع الله ولم تخلق عبثاً بل إنّ لكل شيء في هذا الكون وعلى هذه الأرض دوراً يقوم به.

(الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى(4).

(ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك(5).

والمؤمن يحب الطبيعة ويحترمها لأنه يؤمن أنّها من عند الله خلقت بقدر وتوازن مسخرة له لخدمته.

(الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى). (6)

(إنّ كل شيء خلقناه بقدر). (7)

(الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك(.(8)

والمؤمن يعتقد بمبدأ التسخير، وهو أن الله سخر له الكون والطبيعة من حوله لمساعدته على القيام بالدور الذي أنيط به في الأرض في حياته العملية اليومية. وبالتالي فإنّ جميع موارد الأرض مسخّرة له.(9)

(1)  الكهف:29

(2)  يونس:99.

(3)  يوسف القرضاوي: الإيمان والحياة، ص129.

(4)  طه:50.

(5)  آل عمران:191.

(6)  الأعلى:2-3.

(7)  القمر:49.

(8)  آل عمران:191.

(9)  جودت سعيد، اقرأ وربك الأكرم ص 234، عماد الدين خليل، مدخل إلى موقف القرآن من المعلم، ص50.

وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(1).

وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر)( 2).

(وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار)(3).

(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً)(4).

(ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء)(5).

وهكذا نرى كما يقول الدكتور أحمد عبد الوهاب عبد الجواد ((إنّ الله قد جعل الإنسان مستخلفاً في الأرض وله حق الاستثمار والانتفاع والتسخير لما يخدم التفكير والعبادة والمتعة والتذوق على ألا ينسى أنّه مطالب أيضاً بالمحافظة على البيئة، حيث يجب أن يكون استعماله للبيئة بطريقة رشيدة ولا يفسد فيها ولا يعرض مواردها للفساد والتشويه وأنّ حقّ الاستثمار والانتفاع ملك له وللأجيال القادمة))(6).

والمؤمن يحب ويحترم أجناس المخلوقات على هذه الأرض سواء كانت حشرات أو طيور أو دواب.

(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) (7).

والمؤمن يحب الإنسان (8) بغض النظر عن لونه أو عرقه، ويعتبره أخاه خلق وإياه من نفس واحدة، ولا يسمح له إيمانه أن يدخل مع أخيه الإنسان في نزاعات عرقية أو عنصرية أو جنسية، أو يتعصب ضده أو يحسده، لأنّه يعتقد أنّ الخلق جميعاً من آدم وآدم من مادة الأرض التراب. والخطاب في القرآن إلى الناس على اعتبار أنّهم جميعاً أخوة. (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً. واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام(9).

(1)             الجاثية:13.

(2)             النحل:12.

(3)             إبراهيم:32.

(4)             النحل:14.

(5)             النحل:79ز

(6)             أحمد عبد الوهاب عبد الجواد، المنهج الإسلامي لعلاج تلوث البيئة، ص 177.

(7)             الأنعام: 38.

(8)             يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص 171-174.

(9)             النساء:1.

والمؤمن حسب العقيدة الإسلامية يحب العمل ويؤمن به، ويدفعه إيمانه إلى العمل الصالح من دون ضغط خارجي من حزب أو حكومة أو نظام. وحتى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط لاكتمال الإيمان أن يقترن بالعمل. ((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل))(1).

والعمل لدى المؤمن مقرون بعمل الصالحات. إذ إنّ القرآن الكريم أورد في آيات كثيرة الإيمان مقروناً بعمل الصالحات.

وهكذا نرى أن المؤمن حسب العقيدة الإسلامية يؤمن بالله وكتبه ورسله ولا يفرق بين أحد منهم، ولا يعرف التعصب، يحب أخاه الإنسان ويحترم حريته وعقيدته، يحب العمل الصالح ويسعى له، ويحب الطبيعة ومخلوقاتها، وراضٍ عن الكون والحياة.

الأرض في العقيدة الإسلامية

عندما يقرأ المؤمن أحدث نظرية في مجال الفيزياء الكونية، بأنّ مادة هذا الكون كله كانت كتلة واحدة، ثم تعرضت إلى قوى كونية جبارة تفجرت وتباعدت مشكلة المجرات والنجوم والكواكب ومنها الأرض، ازداد إيمانه إيماناً وهو يقرأ الآية الكريمة (أولم يرى الذين كفروا إن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون(2).

يطلق بعض العلماء على التوازن المذهل القائم بين حجم الأرض وجاذبيتها ومائها وهوائها وغلافها الجوي وإحيائها لقب عجلة توازن العظيم ((Great Balance Wheel))، وقد توصلوا إلى ذلك بعد الجهد العلمي الجبار الذي بذلوه في دراسة العلاقة والتوازن بين العناصر التي ذكرناها وكثير غيره. وضربوا الأمثلة التي تؤكد أنّ أي خلل أو اختلاف بسيط في أي منها سيؤدي إلى خلل في بقية العناصر ويجعل الحياة غير ممكنة على هذه الأرض.

ومن الأمثلة التي يضربها العلماء على التوازن، لو أن سرعة الأرض حول نفسها نقصت قليلاً لطال ليلنا، وطال نهارنا، وحرقت الشمس كل شيء فوق الأرض. ولو تغيرت زاوية الأرض والبالغة 33 درجة لتحولت الأرض إلى ثلوج وصحاري. ولو كانت قشرة الأرض أكثر سمكاً، بمقدار عشرة أقدام، لامتصت القشرة الأرضية الأوكسجين واستحالت الحياة. ولو كان الغلاف الهوائي للأرض ألطف مما هو عليه الآن لاخترق النيازك غلاف الأرض الخارجي يومياً واحترقت الأرض والأمثلة أكثر من ذلك بكثير.

(1)               رواه ابن النجار وادليمي في ((مستند الفردوس)) في حديث انس.

(2)               الأنبياء: 30.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *