صندوق استثمار أم وكالة يهودية في الأردن؟

د.م. سفيان التل. عمان 25-5-2016.

منذ سنوات عدة والكل يحذر من الهيمنة الصهيونية على الأردن، ومن الاستراتيجية والسياسة الواضحة لدمج إسرائيل في المنطقة من بوابة الأردن، ومن الخطط الإسرائيلية الواضحة لجعل الكيان الصهيوني مستودعا للنفط والغاز العربي وإعادة تصديره. وشمل التحذير مشاريع سميناها مشاريع الهيمنة الصهيونية على الأردن؛ كسكة حديد حيفا بغداد، وناقل البحرين أو تبادل المياه مع الكيان الصهيوني، والمفاعلات النووية، والمطارات، وبيع البتراء، …وغيرها.

يضاف إلى ذلك ما تمّ بيعه من مشاريع البنيان الأساسي في الأردن تحت مسمّى الخصخصة، وكانت كلها بنظرنا مشاريع الهيمنة الصهيونية على الأردن. ولكن التعتيم والضبابية كانت تلفها وتخفي حقيقتها وأهدافها البعيدة، ومن وراء تلك الأهداف. وحذرنا من استراتيجية وسياسة الإفقار والتجويع والتهميش لأبناء الأردن؛ بهدف تأمين ما يكفي حرّاسا للسفارات، ومخبرين للتنسيق الأمني، وأيدي عاملة للمشاريع الإسرائيلية. وقد تمّ ذلك، فحديثا بدأ آلاف المتعطلين عن العمل من الأردنيين، التوجه إلى إيلات أو غيرها؛ للعمل كعمال نظافة في شوارع ومطاعم وبارات الاحتلال، والعودة مساء للنوم في العقبة، وهذا ما يجري يوميا. وكذلك حذرنا قبل الانتخابات النيابية السابقة التي أفرزت المجلس الحالي، المزور بغالبيته باعتراف مدير مخابرات سابق، من أنّ المجلس القادم سيتخذ من القرارات ما هو أخطر من اتفاقية وادي عربة. وبتصديق هذا المجلس على قانون صندوق الاستثمار، تمّ ذلك.

فالبرلمان الذي أقر في الجلسة الصباحية استثناء إسرائيل أو أيّ شركة أو مؤسسة إسرائيلية من شمولها في هذا القانون، و العودة عن هذا الاستثناء في الجلسة المسائية، بعد أن صدرت لهم التعليمات بذلك، لتصبح الشركات الإسرائيلية شريكا في هذا الصندوق أو مالكا له، ودون رقيب أو حسيب، و بذلك رفع الحجاب عن الوجهة الحقيقية لمشروع الصندوق وبات على كل النيام أن يصحوا.

دعونا نلخص لكم هذا القانون على النحو التالي:

1. أعطى القانون صلاحيات احتكار المشاريع التالية والسيطرة عليها:

–       مشاريع سكك الحديد

–       مشاريع أنبوب النفط

–       مشاريع الطاقة وتشمل عادة المفاعلات النووية

–       مشاريع النقل

–       مشاريع الثروة المعدنية

–       مشاريع الربط الكهربائي

–       البنية التحتية لبعض المشاريع

–       أيّة مشاريع أخرى يحددها مجلس الوزراء

2. وسّع هذا القانون دائرة الفساد والفاسدين، ومنحها حصانة قانونية من المحاسبة. وبموجب نصوص هذا القانون لا تخضع مشاريعه لرقابة ديوان المحاسبة ولا لمدير الشركات، كما أنّه معفى من:

–       الرسوم الجمركية والطوابع وأيّة رسوم أو ضرائب أو بدلات

–       معفى من الضريبة العامة على المبيعات

–       معفى من ضريبة الدخل على الأرباح

–       ومنع القانون الحكومات والبرلمانات القادمة، في ما يستقبل من الزمان، من فرض أيّ ضرائب أو رسوم على الصندوق ومشاريعه. أي أنّه صادر الحقوق الدستورية والقانونية للحكومات والبرلمانات القادمة في اتخاذ القرارات وتصويب الأوضاع والأخطاء.

3. عطّل هذا القانون (بموجب المادة 8 ب) مواداً في الدستور الأردني، وقوانين كثيرة أخرى، مثل:

–       قانون الشركات، أي أنّ الشركة المؤسسة بموجب هذا القانون لا تخضع لقانون الشركات ولا قانون الأوراق المالية.

–        قانون الحراج (الغابات)، وهو من أقوى القوانين الأردنية، ويمنع أيّة جهة كانت، بما فيها الجهات الرسمية، من التعدي على أملاك الحراج أو قطعها أو بيعها أو البناء عليها.

–       و أما قانون الاستملاك وهو المدعوم بالمادة (11) من الدستور الأردني، والتي تنصّ (لا يستملك ملك لأحد إلا للمنفعة العامة) فقد أعطى هذا القانون (المادة 13) لمشاريع صندوق الاستثمار الحق باستملاك الأملاك الخاصة. وهذا بالضبط ما يشبه القوانين الإسرائيلية التي يصادر الكيان الصهيوني بموجبها الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات.

–       أملاك الخزينة وهي أكثر من 90% من مساحة الأردن، وهي صحاري وبادية، أملاك دولة غير مسجلة باسم أحد، وقد أعطى هذا القانون الحق لصندوق الاستثمار بالتصرف بأيّ أرض من أراضي الخزينة وبالتالي من أملاك الدولة دون رقيب أو حسيب ودون رقابة من ديوان المحاسبة، حيث تنص المادة (10 ب) من قانون صندوق الاستثمار: “على الرغم مما ورد في أيّ قانون أو تشريع آخر تفوّض الحكومة الصندوق بقرار من مجلس الوزراء بحق التصرف والإدارة في أملاك الخزينة والحراج اللازمة لإقامة المشاريع”.

حكام من أمريكا:

ليس من قبيل الصدف أن يتزامن إقرار هذا القانون مع قضايا أخرى في غاية الأهمية. فالتزامن الأول، تمّ بسرعة جنونية بإلغاء المواد القانونية التي تمنع مزدوجي الجنسية من تولي المناصب العليا في الدولة؛ كالوزراء والنواب والأعيان. وقد تمّ هذا الإلغاء قبل أيام من إقرار قانون صندوق الاستثمار، وذلك ليصبح حملة الجنسية الأمريكية وزراء في الحكومات الأردنية، ونواب فيما يسمى بالبرلمان الأردني، يحكمون الأردن ولكن ولاءهم لأمريكا، ومن المفيد أن نورد هنا نصّ القسم الذي يقسمه من يحصل على الجنسية الأمريكية؛ لتوضيح الصورة للقارئ الكريم، وهذا هو النصّ:

قسم الحصول على الجنسية الأمريكية

أعلن يمينا مطلقاً أنني أنبذ وأتخلى عن الولاء لكل أمير وملك ودولة والسيادة التي تأتي منها المواطنة. وأنني سوف أدعم وأدافع عن دستور وقانون الولايات المتحدة الأمريكية ضد كل الأعداء المحليين والأجانب. وسوف أحمل الإيمان الحقيقي والولاء للشيء نفسه (الدستور والقانون).

وسوف أحمل السلاح نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية عندما يكون مطلوباً بالقانون، ونقوم بالمهام غير القتالية في القوات المسلحة الأمريكية عندما يكون مطلوبا ذلك بالقانون. وسوف أؤدي العمل ذا الأهمية الوطنية في إطار التوجيه المدني (الخدمة الاجتماعية) عندما يكون مطلوبا ذلك بالقانون. وإنني أخذ هذا الالتزام بجدية وبدون تحفظ وبدون تهرب. فليساعدني الله).

وبالتالي هؤلاء اللذين سيتولون إدارة الصندوق لن يكون ولاؤهم لأيّ أمير أو ملك أردني أو دولة أردنية حسب نصّ القسم، وإنّما للولايات المتحدة فقط لا غير، وإنهم حسب القسم سيحملون السلاح ضد الأردن نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية.

وأمّا التزامن الثاني فكان صندوق النقد الدولي:

فقد أقر القانون في مجلس النواب وبعثة صندوق النقد الدولي موجودة في الأردن تحمل ما أسمته مشروعا إصلاحيا جديدا، وقد لخصتُ في حينه وعلى صفحتي على الفيسبوك وتويتر مهمة الصندوق بثلاث كلمات فقط، وهي: (تشليح الميت كفنه)

الخلاصة وكالة يهودية جديدة:

أرجو أن تعودوا معي قليلا إلى الوقت الذي بدأت فيه الهجرات اليهودية إلى فلسطين، وأسّس الصهاينة لهذا الغرض الوكالة اليهودية وعهد إليها بالحماية والتسهيلات البريطانية، شراء الأراضي والاقتصاد في فلسطين بوسائل كثيرة ومتعددة ومتعرجة ومباشرة وغير مباشرة..

وهذا ما يتمّ اليوم في الأردن، فهذا الصندوق هو وكالة يهودية للسيطرة على الأراضي والاقتصاد الأردني. سيبدأ هذا الصندوق بشركات ومشاريع عربية وإسرائيلية مشتركة، وبالتدريج ينسحب المتواطئون العرب بحجة أو بأخرى ويبقى الصندوق بكل امتيازاته وتسهيلاته واحتكاراته صهيونيا إسرائيليا على الأرض الأردنية.

عمان 25-5-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *